الدکتور عباس العباسی الطائی فی حوار مع موقع أدب الأهواز حوار حول النقد الأدبی الأهوازی (الجزء الثانی)
الدکتور عباس العباسی الطائی فی حوار مع موقع أدب الأهواز
حوار حول النقد الأدبی الأهوازی
(الجزء الثانی)
خاص بـ موقع أدب الأهواز
المحاور : الشاعرعبدالحسین الباوی
* بما ان النقد الأدبی یحتاج الى الابداع کالنص الشعری لکن الـنقد الأدبی الأهوازی حتى الأن یتشبث بالمعاییر الاکادیمیة التقلیدیة ماذا نفعل لنخرج من هذه الحالة؟
ـ أنا کنت قد أشرت فی أکثر من مکان، إننا لم نتدرج فی مراحــل الشعر- النثر لما یدخل دائرة النقد بعد – کما تدرجت الشعوب الأخری وأخص العالم العربی!!! ودعنی أن أتسائل ولیأت الرد ممن یشاء: نحن هنا،هل أعطینا القصیدة العمودیة حقها؟ هل أتقنا قواعد قصیدة التفعیلة فقدمنا فیها أعمالا ترتقی إلی مصاف الدرجة الثالــثة من شعر التفعیلة فی العالم العربی – اللهم إلا النادر،والنادر کالمعدوم - ؟ ونحن نعلم فی الناس ممن یحب أن یعرف ماضی شعره وحـاله فیتذوقه. أقول هذا وأرجو ألا أتهم بالتــعصب للکلاسیکیة ، فأنا معترف بالجنس الثالث للشعر، أعنی قصیدة النثر،ولکن لنـــکن منصفین ونفکر بشرائح الشعب الأخری، فنعطی کل ذی حق حقه.
أما عن سؤالک عن تشبث النقد بالمعاییر الأکادمیة، أعتقد أن هـذاجزء من الإنصاف الذی أشرنا إلیه ، إذ أن نقدنا الیوم یسیر – بقصد أو غیر قصد – بموازاة ما یعرض علی الساحة من شعر، غیر أن کفة القصیدة النثریة أکثر ثقلا من سابقتیها.
*کثیر من الشعراء طلب مـنی أن اسالک عن النقاد الذین یشرفون على مهرجانات المحافظة وهم یشکون من بعض أحکامهم ومعاملتهم للشعراء.
ـ موضوع الشعرمن الأمورالفــنیة الدقیقة ،والأکثر منه دقة وحساسیة نقده وإظهار الرأی فیه،إذلا یمکن البَتُّ فی ذلک إلا بالتخصص والذوق والحیادیة المطلقة. وأنا هنا استمیح أحبتی الشعراء والنقاد الأفاضل عذرا لأقول: لنکن دقیقیـن فی تقبل المسؤولیات، فعلی الشاعر أن یعرف أین( الندوات والمهرجانات وتیارات الشعر)وعلی من یعرض بضاعته،کی لایتعرض لما لا یستسیغه.فإذا قدم شعره لمشارکة ما، علیه أن یتقبل ما یقال عنه إیجاباأو سلبا.
أما النقاد الکرام ، فهم أعرف بالإصابة فی اختیار الموقع الذی یریدون عرض آراء هم فیه ، إذ أن النقاد أکثر تعرضا للنقد والإنتقاد والمساءلة ،من الشعـراء أنفسهم. وعلی هذا فی رأیی المتواضع ، لا واقی للناقد إلا ألله وأصــدقاءه الثلاثة (التخصص ، والذوق، والحیادیة المطلقة). *کیف تقیم الحرکة النقدیة الاهوازیة هذه الایام، خاصة ما ینشره موقع أدب الأهواز ؟
ـ النقد یسمو بسمو الشعر،والنقد لیس« میتا لغة» ( أی لغة حول اللغة ) بل هو نشاط إبداعی مثله مثل الأدب، وإذا ما جاز القول بأن الأدب إبداع ترکیبی ، فالنقد إبداع تحلیلی. ولا غنی عن الحوار بین الخطابین، إذ لا یقوم نقد مبدع إلابوجود أدب مبدع ولا یتطور أدب مبدع إلابوجود نقد مبدع.وعلی هذ المستـوی سار النقد الأهوازی ویسیر، وأظنه یعیر القصیدة النثریة الإهتمام الأکثر، وهذا یعنی أننا لدینا أعمال تستهوی النقاد بین حین وآخر.أما عن مشروع النقد الأدبی الذی قام به موقعکم ودور الدکتور العریز جمال نصاری وزملاءه النقاد الأفاضل،أستطیع أن أقول: قلما دعوة لاقت الإستجابة والترحیب – فی هذه الظروف الراهنة - مثلما لاقت دعوتکم لهذا المشروع، وهو خطوة یسجلها لکم تأریخ الأدب الأهوازی بحروف من نور.
*هل الحداثة و الکلاسیکیة ضدان متنافران ؟
ـ هذا جدل تاریخی ، و ما هو الیوم بحدیث سیصبح قدیماً فی الآتی ، و التمسک بالقدیم مقرون بالشفل ، اللّهم إلا أن تکون فی هذا القدیم دینامیکیة حدیثة تمکنه من اللحاق بالرکب العالمی.أما الذین یریدون أن یقفزوا على صهوة الحداثة دون أن یمروا بمراحل التطور التی مرت بها الشعوب ،یکون اقتحاما من أعلى الجدار و یبقى ولوجاً لا شرعیاً و لا معقولاً ، و قد یحققون بعض المنجزات ولکن ، یبقى هناک خلأ فی المسیرة. فخذ ، مثلاً الشباب الذین یکتبون الشعر الحرّ معظمهم لم یمرّ بمحطات الشعر القدیم ، فتراهم عندما یتسلقون جدار الشعر الحرّ الموزون یتأرجحون بین الشعر المنثور و بین الشعر الموزون فی القطعة الواحدة .
* ما هو سبب غیاب اهل الاختصاص من اساتذة الجامعات عن الساحة ؟
ـ أما أهل الإختصاص فهم الذین تراهم الیوم فی الساحة یبذلون کل هذ الجهد ویتعرضون للشر بدلا من المعروف. وأما أؤلئک الذین یجرون الإختصاص وراء هم ویتاجرون به ویبخلون علی شعبهم ولو بکلمة واحدة، ولا تری لهم حضورا إلا عند ما تکون لهم حاجة عنده ، فاسألهم ، إن وجدتهم.!!!
* لماذا لا نرى لکم حضور فی المهرجانات التى تقام و ما هو السبب؟
ـ أنا اضطررت علی العیش فی طهران – لظروف لا مجال لذکرها هنا – ومع ذلک لم أغب عن الساحة بتواجدی فیزیکیا بین حین وآخر، وإرسالی مساهمات فی بعض المناسبات التی تتلائم مع ظروفی . کما أننی حاضر معکم فی موقعکم قدر المستطاع.
أما حضوری المعنوی فهو بما یُعرض لی من المؤلفات التی تطبع فی لبنان وقـد بلغ عددها الثمانیة( وهذا من فضل ربی) وتُعرض فی المعارض الدولیة للکتاب، فضلا عن معرض طهران الدولی الذی سیقام من 12 حتی 23 من شهر اردیبهشت القادم ،و لی فیه مؤلفان جدیدان هما « العروض المبسط» فی الشعر العربی الفصیح، و« الشعر الشعبی الأهوازی» ، إضافة إلی الستة السابقة فی « الدار العربیة اللبنانیة للموسوعات »
ـ *کثیرا ما یسأل الشعراء الشباب عن الموسیقی الداخلیة فی القصیدة النثریة?
ـ إن محاولة ضبط هذه الموسیقی الداخلیة فی قصیدة النثر ،وتحدید قواعدها العامة مازالت بعیدة بعض الشیء عن تحقیق انجازات واضحة وممیزة وذلک لأن الإیقاع الداخلی خال من المعیاریة لکونه یعتمد على قوانین النفس الفردیة.حتى أن رواد قصیدة النثر أنفسهم فی محاولتهم للتنظیر للإیقاع الداخلی قد أشاروا إلى أنه إیقاع شخصی یختلف من شـاعر لآخر، زئبقی لا یمکن ضبطه ضبطا دقیق. واهتموا بعلاقة اللغة بالموسیقى، فاستغلوا الرؤى و الظلال والإیحاءات. فجاء الإیقاع من نغـمات مختلفة تعلو وتنخفض وهو ما یشکل الموسیقى الداخلیة التی قد لا نجدها فی کل القصائد.
وبما أن قصیدة النثر تتخلى عن التفعیلة، فهی تحاول تکثیف الموسیقى،ومن العناصر التی یجرى شحنها بالموسیقى من خلال: علاقة الکلمات،وعلاقة الحروف ،و الدلالات.
وکمثال على ذلک نجد قصیدة محمد الماغوط «عتبة بین مجهول» والذی یقول فیها:
«لا نرید قمما ولا رایات / لا نرید هذه الأقواس المزدانة بالغضب والتراتیل /نرید أن نعود خافضی الرؤوس / نرید أن نموت فی قرانا البعیدة / لساعات قلیلة».
نلاحظ أن هناک توازیا عمودیا فی هذا المقطع، حیث إن الأسطر الأربعة الأولى تشترک جمیعها فی صیغة الفعل المضارع، وبالرغم من إن الفعلین المضارعین الأولین منفیان والفعلین الثالث والرابع مثبتان، إلا انه یمکن اعتبار هذا النمط توازیا أیضا لان التوازی کما یکون بالملائمة یکون بالمعاندة أیضا . وقد جاء الإیقاع الداخلی لقصیدة محمد الماغوط حادا وصارخا وتولد هذا الإحساس بالانفعال من حرف المد الذی فی الأداة (لا)، وکما أن تکرار الفعل (أریـد) فی الأسطر الأولى قد فتح مجال النص عل عدد من العلاقات المتداخلة ، فبدأ القصیدة بانفعال حاد (لا نریـد) یحمل معه صرخة الوجدان العربی وضیقه من القمم والرایات والشعارات والتی ما عاد یحفل بها، وقد جاءت إشارة (الغضب) لتصعد من ذلک الانفعال. ثم فجأة یهدأ ذلک الانفعال إلى هدوء رهیب (نرید أن نموت)، فالماغـوط الذی اختار الغربة بحثا عن الحریة لم یجدها، ویبدوا أنه لن یجدها لان الإنسان تتحکم فیه عدة مؤثرات، فهو مسلوب الإرادة وتعبر عن ذلک إشارة (خافضی الرؤوس)، وهی إشارة للکرامة المسلوبة لذا فهو یرید الموت، لأنه قد یجد فیه الحریة التی لم یجدها فی الحیاة، وهکذا ینشأ لنا إیقاع القصیدة الداخلی من حرکة الانتقال من النفی إلى الإثبات ( نریـد/ لا نریـد)، وهی ثنائیة ضدیة تخلق نوعا من التوتر فی الحــرکة التی تأخذ فی التباطؤ من الانفعال إلى الهدوء التام وتعبر عن ذلک إشارة (المـوت).
وهذا مخطـط بیـانی یـوضح حـرکة الإیقـاع الداخـلی
الانفعال----> لا نرید (قمما ،رایات، الأقواس..)
---------------------------->
الهـدوء >----- نرید )أن نعود --->خافضی الرؤوس، الموت)