الأبوذیة المرکبة ومشکلة الابداع بقلم : علی عبدالحسین
الأبوذیة المرکبة ومشکلة الابداع
بقلم : علی عبدالحسین
بدایة أشکر الشاعر العزیز عاصی الناصری (ابوسمیر) على إهتمامهِ بالشعر والادب الاهوازیین. لقد کتب قبل مدة الاخ الناصری عن ابوذیة جدیدة ذات جناسات مضاعفة. وبیّن بأنّ الابوذیة الجدیدة التی أسماها بــ "المرکبة" هی ذات ستة جناسات ،یعنی فی کل مصرعٍ جناسان. وکلنا نعلم أنّ الجناس ما هو سوى غامض الکلامِ وبطرح الاخ الناصری أمستْ الابوذیة موغلة فی غامض الکلام ومبهمه.
لم أقلْ شیئاً جدیداً اذ اُصرح بأن الابوذیة من اروع الشعر العربی الاهوازی. وهی اصیلة وعریقة وتحمل بین طیاتها تاریخاً مرصعة بالابداع والحزن والمشاعر الانسانیة الکثیرة. وخاصة اذا ترفق بالموسیقى العلوانیة فتصبح سمفونیة ألم اهوازی شجی وعزیز یمتد الى اعماق الروح العربیة. ولا اُبیحُ سراً إنّ الابوذیة صعبة الانشادِ والتألیفِ لانها تتطلب ثلاثة جناساتٍ، وهذا ما یتعب الشاعر فی ایجاده والتعبیر من خلالها. وصعوبة الابوذیة هو ما أدى الى قلتة انتاجها على رغم انتشارها ومحبوبیتها فی اوساطِ الشعب الاهوازی.
لقد کانتْ الابوذیة التقلیدیة صعبة فاصبحتْ بـ"المرکبة" أصعب. وکما أشرنا أنّ الاتیان بثلاثة جناسات صعبٌ فما مدى الصعوبة لو صارت هذه الجناسات ستة. ونقطة الاشکالیة هنا واضحة ولا تحتاج الى مزید من الشرح. والمشکلة کما أعتقد هی لیستْ خاصة بالاخ الناصری العزیز الذی هو استاذنا بالمجال الادبی...إنّ المشکلة هی عامة وشاملة لمعظم ادباءنا الاعزاء. إننا شعبٌ اُمیٌ لا نقرء ونکتب. فکذا حالة لا یرجى منها الابداع ولا الانتاج الصحیح للادبِ.
إنّ الابداع لیس سوى الاتیان بجدیدٍ یساعد على تحسین الانتاج، بحیث یصبح الادیب أکثر سلاسة وقوة فی التعبیر عن مکنونات نفسه وهو یواکبِ معطیات ومکتسبات العصر الحدیث السریع. ونحن بدل التأمل والتمعن بما یقدم العصر الحدیث من ادب ومواضیع ومفاهم وافکار وفی کل مجالات الحیاة..نرجع الى القدیم لنزیده قدمة وعسراً مکبلین ایاه بزوائد لا مجدیه لتردیه قتیلا قتیلا...
إن شعراءنا وکتابنا وشبابنا عموماً هم شفویون فی معظم الاحوال. قلیلٌ منهم من یراجع الکتب والجرائد والصحف...لیتزود بالمعلومة عن الادب والنقد ...فیبقون یرددون القدیم متحرکین فی دائرة ضیقة فی زمنٍ فی ظاهره حال ولکنه لیس بحال ولا بقدیم...من هنا ینتج التقهقر الادبی فتشاهد الادب الاهوازی بلا حرکة نحو الامام وکأنه یسیر الى الخلف...أنا شخصاً لم اُشاهد شعراً او نثراً اهوازیاً یحتوی على ابداعٍ او شیئ من فکر ومفهوم إلا قلیلا..
لابد لنا أنّ نجتاز الاسالیب القدیمة بطرح أنواع ادبیة معاصرة مواکبة للعصرِ، وإن ابقینا على القدیم فلابد أن نحقن فی دمه الرؤى والافکار الجدیدة. لابد لنا من التشجیع والاقدام على کتابة الشعر الحدیث والنثر والروایة والقصة و المقال...لایجب أن نکتفی بشعراء شفویین یتحرکون فی دائرة ضیقة نحو الوراء من دون تقدم وابداع یُذکران.
شعراءنا وکتابنا مطالبون بمواکبة العصر والانتاج الشعری والنثری فی القصیدة الحدیثة وقصیدة النثر والروایة والقصة القصیرة والمقالة...بهذه الانواع سیکون لدینا ادبٌ وإلا لا تتوهمون بوجود ادب اهوازی محصور فی قصیدة شعبیة و فصحى قدیمتین وبیت ابوذیة اقدم. نحن شعبٌ شابٌ بملاین النفوسِ فلا ینبغی أن نقید ونحبس أقلامنا واذهاننا فی القدیم الضحل الفارغ من ابداع ومفاهیم... نحن شعب بحاجة ماسة الى ادب لانّ الادب یثقف الشعب ویضخ فی دماءه الفکر والفلسفة والتاریخ والهویة...والحیاة بشکل عام..
واخیراً مرة اُخرى اشکر استاذی عاصی الناصری على اهتمامه وکذلک اشکر استاذی عیسى حداد لما قدم من نقد قیم فی"الابوذیة المرکبة"، وعلیَّ أن اُعید تأکیدی على القراءة والتثقیف للشاعر والکاتب الاهوازی و وجوب الابداع فی الادب المعاصر وعدم التطرق لاسالیب تقید ید الادیب. ولابد ان اشیر الى أنی لست بممانع ولا ارى عیبا واشکالا فی الکتابة على نمط "الابوذیة المرکبة". انما رأیی هو تحدیث الادب الاهوازی بحیث تُطلق ید ادیبنا لینتج ادباً ثمینا بعیدا عن التعقید والغموض واهدار الجهود فی انماط لا تحتوی على مضمونٍ مجدٍ ینفع الشعب.
