أماکن وآثار الدولة المشعشعیة (مرقد المولى محسن بن محمد بن فلاح المشعشعی) بقلم: عبدالحسین الباوی
أماکن وآثار الدولة المشعشعیة
(مرقد المولى محسن بن محمد بن فلاح المشعشعی(
بقلم: عبدالحسین الباوی
مکانة الآثار والتراث وأهمیتها تنعکس فی دورها الهام فی تشکیل هویة المواطن وانتمائه لتاریخه وحضارته، وترسیخ معانی الوطنیة والاعتزاز بالوطن، لاسیما ونحن نتحدث عن الأهواز وتاریخه العریق، بلد تقاطعت علیه الحضارات عبر العصور، وکان لها حضورها المؤثر فی الثقافة والعلوم والآداب على مر التاریخ، والحفاظ على الآثار التأریخیة والمعالم الأثریة الأهوازیة کان ومازال جزءًا من المعرکة التی یخوضها أبناء الشعب الأهوازی، صراع لم یکن میدانه فقط الحاضر بل التاریخ والماضی.
استمرارا فی البحث المیدانی الذی نقوم به لشکف وتعریف الأماکن والآثار التأریخیة للدولة المشعشعیة کان أختیارنا لمعلم من معالم تلک الإمارة التی فرضت وجودها على صفحات التاریخ، معلم قد یجهله کثیر من عامة الشعب الأهوازی لکنه شهیر بالنسبة لأهل القلم والبحث والتحقیق، نحدثکم الیوم عن مرقد المولى سید محسن بن محمد بن فلاح المشعشعی الحویزی.
هو: «السید محسن بن السید محمد بن فلاح المشعشعی، ویعرف بالملک المحسن. توفی فی رجب سنة 905. ولی بعد أبیه ولُقّب بالملک المحسن وامتد ملکه بحیث لم یمتد لأحد مثله من ذریته، تملک الجزائر وما وراءها إلى حدود سور بغداد من جهاته الأربع وأحسن السیرة مع سکان العتبات العالیة وخدام الروضات المشرفة ثم ملک البصرة وشط بنی تمیم وعبادان إلى الإحساء والقطیف ثم الدورق والسواحل إلى بندر عباس وجمیع البنادر إلى حدود فارس ثم کوه قیلویه ودهدشت ورامهرمز ثم شوشتر و البختیاریة وأکراد لرستان الفیلیة وبیات والباجلذانیة وبثت کوه وکرمنشاه وسمیرا وبهبهان.»[1]
« وأول من أحدث البنیان بالحویزة السید محسن وکانت آجام قصب تسکنها الأعراب، فبنى قلعة الحویزة المعروفة بالمزینة إلى الآن وجعل فیها عسکرا وسکن الناس حولها وبنى قلعة المشکوک واسکن فی جوانبها 40 ألف نسمة، وأدار على الجمیع مدینة حصینة ثم عمر قلعة الشوش ثم خربها العرب ثم أحدث السید محسن قلعة الدایر المعروفة بأبی عمرو وکان یسکن کل فصل فی مکان ثم بنى مدینة عظیمة بین الشطین تجمع جمیع عساکره وذخائره وسماها المحسنیة»[2]
جمع بین السیف والقلم والخصال الحمیدة وعلى عهده اتسعت المملکة وکان مظفرا تقیا صالحا محبا للعلماء جوادا سخیا محسنا إلى الفقراء .
یذکر المؤرخ الکبیر عباس العزاوی فی کتابه موسوعة تاریخ العراق بین إحتلالین المولى محسن بقوله : «وهذا المولى کان خلف أبیه السید محمد وقد نال مکانة أسمى مما کان علیه والده وأخوه المولى علی وتمکن من الاستیلاء على ولایة الجزائر وأکثر أنحاء بغداد فصارت فی حوزته، وأن الکرد البختیاریة والکرد الفیلیة أذعنوا له بالطاعة وأبدوا الانقیاد ... وکان کریما، ومحبا للفضیلة، وأن علماء الشیعة قد کتبوا الکتب والرسائل من الأنحاء الأخرى وبعثوا بها إلیه . مدفون على ضفة نهر الکرخة فی محل الحمیدیة المعروفة قدیما بـ (العلة)، وکان فیها قصر کبیر وضخم للشیخ خزعل، وللمولى محسن مرقد له قبة ویزار من الموالی»[3]
یُوجد قبر ومقام سید محسن بن محمد بن فلاح المشعشعی فی المقبرة المعروفة بالمحسن فی الجهة الغربیة لشط الکرخة فی مدینة الحمیدیة.
یقع الضریح على تلة صغیرة تطل على وسط مدینة الحمیدیة، تبعد 25 کم شمال غرب الأهواز. یتکون مرقد المولى محسن من أرض تقدر بأربعمئة متر مربع تتوسطها قبة بسیطة مع أرتفاع ثمانیة أمتار وشرفة ملونة باللون الأخضر، وهی من الآثار الوحیدة المتبقیة من تلک الفترة، یحیط بالمرقد جدار من الطابوق بنی حدیثاً، والسیرامیک الأبیض یغطی الجدران الداخلیة من القبر، یتوسطه ضریح حدیدی صغیر، وهذا یعنی أن محبین ومریدین السید محسن جاهدوا للحفاظ على هذا المعلم
.
على الرغم من أن عمر هذا النصب یصل إلى حوالی 500 سنة وذات هندسیة معماریة غایة فی الأهمیة، لکنه لایزال لم یثبت لحد الآن ضمن لائحة التراث فی الإقلیم من قبل الدوائر المعنیة، وکیف یثبت فی سجل دوائر کانت هی سبب فی إندثار وتخریب آثار أخرى خاصة بتاریخ الأهواز.
إعتقاد الناس وحبهم بالمولى المحسن وبتاریخهم وحفظاً لأمانة الأجیال القادمة دعاهم لترمیم وإصلاح المرقد على نفقتهم الخاصة.
تتردد معلومة على ألسنة الناس عن وصیة للملک المحسن. یقال أنه أراد أن یبتعد عن بعض القلاة من أهل الحویزة فوصّى بعد وفاته یوضع جثمانه على جمل ویترک الجمل فأینما أناخ فهناک یکون قبره. وبعد وفاته وضع جثمانه على جمل أبیض وسار الجمل على أن وصل للضفة الغربیة من شط الکرخة فی مدینة الحمیدیة ولعدم وجود جسر یمکنه من عبور النهر أناخ الجمل فی المکان الموجود فیه قبر مولى محسن المشعشعی. ولهذا یطلق علیه بعض الناس لقلب (الملک الغریب.(
