موقع أدب الأهواز

موقع حول الأدب الأهوازی والعربی فی إیران

موقع أدب الأهواز

موقع حول الأدب الأهوازی والعربی فی إیران

 

 الأبوذیة المرکبة .. نزوع إلى الإبداع أم خطوة باتجاه التعقید

بقلم الأستاذ : عیسی دمنی

الشعر العامی یعتبر أحد أهم العناصر الأساسیة للحفاظ علی حیاة اللغة العربیة فی ربوع الأهواز فی الفترات السابقة لما قدر له من سعة الإنتشار بفضل قرائح قاماته وحفاظه ورواته الذین یتناشدونه فی المضایف و المجالس الشعبیة فی مختلف المناسبات و هو کما لا یخفی یشتمل علی ضروب وأنواع عدیدة، نسلط الضوء هنا علی أکثر أنواعه رواجاً وذیوعاً فی الأوساط الشعبیة و هی فن الأبوذیة، فقد اعتاد جمهور الشعر الشعبی ومتذوقوه أن یتلقوا أبیات الأبوذیة علی ترکیبتها العروضیة المألوفة من منابر الشعر و أفواه الشعراء و درجوا علی ذات النهج ردحاً طویلاً من الزمن، وهکذا بالنسبة لسائر صناعات الشعر الشعبی أو الدارج.اللافت بل الواضح أن الأبوذیة هذه، لها القدح المعلی و الحظ الأوفر فی الأدب الشعبی و الغناءالریفی و لقد لامست وجدان الإنسان الأهوازی وعکست همومه و معاناته و ترجمت آماله وتطلعاته بشطورها الأربعة. إنها جوهر فن العلوانیة الغنائی الأهوازی الإبتکار، بل بالأحری اللسان الناطق والمعبر عن النفسیة المضطهدة للإنسان الأهوازی، فهی مرآة عاکسة لشتی الحالات العاطفیة والنفسیة والشعوریة التی تعتریه وتختلج فی ضمیره فی الفرح والحزن والکآبة والبعاد، ووسیلة للتعبیر أو للتنفیس عن شظف العیش و ضغوطات الحیاة وقساوة الظروف المحیطة به.

الشعر کمبدعه الإنسان یمر بمحطات و أدوار عدیدة طوال مسیرته نحو التکامل والتقدم ، فهو یتعثر حیناً إثر مطبات و موانع تعترض طریقه و حیناً آخر یشق طریقه صوب آفاق رحبة من الإبداع و الحیویة والإزدهار،رافضاً التجمد و التقوقع و مفضلاً الإنطلاق و التوجه نحو الأمام .

 

کسر الطوق التقلیدی

 

أما الأبوذیة بصفتها نوعاً معروفاً وشائعاً من أنواع الشعر الشعبی وفنونه ، فقد شهدت بعض المحاولات الإبداعیة لکسر طوقها التقلیدی و قالبها النمطی بدافع الحاجة والضرورة أو هاجس الإبتکار والتجدید ، لتولد ما أطلق علیها الأبوذیة الرباعیة و الخماسیة و المنثورة و المدورة والمشط و المولدة . أما الأبوذیة المرکبة موضع النقد التی تعنون المقال بها، فهی محاولة أخری تضاف إلی سلسلة المحاولات الإبداعیة التی شهدتها ولازالت تشهدها الساحة الشعریة الأهوازیة بین الفینة والأخری .مبدع فکرتها المتکاملة هو الأدیب والشاعر الأهوازی أبوسمیر الناصری الذی یتمتع بسجل أدبی ناصع ترفده سعة إطلاعه بفنون الأدب الشعبی و هو شخصیة داعمة للثقافة و معروفة لدی الشعراء و النشطاء الثقافیین الأهوازیین ، أحیا العدید من الندوات الشعریة و المهرجانات الثقافیة هنا وهناک فی أرجاء الأهواز، فشخصیته المعطاءة هذه وجهوده المثریة للأدب، محط إعجاب وتقدیر الجمیع، یسعدنی أن أحییه من هذا المنبر المعلوماتی و أشکره - ومعی الکثیرون – علی کل خطوة یخطوها للدفع بالمسیرة و لبنة یضعها لتشیید صرحنا الثقافی ،کما أشکر السید عبدالحسین الباوی المحترم صاحب موقع أدب الأهواز – منتدی الشعراء و الأدباء الأهوازیین ، حدیث الإنشاء و غزیر الإثمار- علی النشر والإهتمام ، وأشکر کذلک الأدیب الناقد الدکتور عدنان الغزی لشرحه و ترکیزه علی الفکرة وتشجیعه المتواصل للمسار الشعری . قبل الخوض فی نقد الأبوذیة المرکبة - حسب تسمیة صاحب الإبداع - و الموقف منها ینبغی أن نشیر إلی نبذة سریعة حول الترکیبة العروضیة للأبوذیة المتعارفة .

 

فن الأبوذیة

 

یتألف هذا الفن الشعری من بیتین بأربعة أشطر ، الثلاثة الأولی متحدة القافیة و بالجناس اللفظی التام مع اختلاف فی المعنی، أما الشطر الرابع - المسمی بالقفل أو المشد أو الرباط - فیختم بیاء مشددة و هاء ساکنة .

ویری البعض من الباحثین فی حقل الأدب الشعبی أن الأبوذیة تعتبر القاعدة الثانیة بعد فن الموال –أو الزهیری فی العراق- من حیث التسلسل الزمنی لظهورها وهی من بحر الوافر فی أوزان الخلیل « مفاعیلن مفاعیلن فعولن » بید أنها أکثر صناعات الشعر الشعبی غزارة فی النظم و سعة فی الإنتشار بین مختلف شرائح الشعب الأهوازی و قد درج الشعراء العامیون علی امتداد العقود المنصرمة علی نظم الأبوذیة علی غرار هیکلیتها العروضیة المألوفة ، و قد تفاعل معهم الجمهور المتذوق للشعر الشعبی وسار فی نفس المنهج یتجاوب مع الشعراء بتردید القوافی أو الجناسات الثلاث.

لا بد من الإشارة ضمن هذا التعلیل إلی أن التجدید الحاصل فی نظم الأبوذیة لا یمس الوزن بشیء و لا یحدث فیه أی خلل أو إرتباک ، إنما یبقی تغییر فی الشکل فحسب ، فالوزن هو بحر الوافر کما کان دون زیادة أو نقصان .الجدید الطارئ فی هذا النوع، یشتمل فقط علی إضافة ثلاثة جناسات أخری- متحدة اللفظ و مختلفة المعنی أیضاً –فی صدر الأشطر الثلاث، بینما تبقی الجناسات الأصلیة علی حالتها المألوفة فی أعجاز الشطور، لیصبح للبیت الأبوذی ستة جناسات بعد أن کان یحمل ثلاثة منها فقط ،لیتضاعف التعقید اللفظی و المعنوی معاً فی البیت!

 

التعقید

 

التعقید عند علماءالبیان هو «تألیف الکلام علی وجه یعسر فهمه لسوء ترتیبه ، وهو التعقید اللفظی. أو لاستعمال مجاز بعید العلاقة، أو کنایة بعیدةاللزوم ، و هو التعقید المعنوی» عندئذ تفسد متعة تذوقه لصعوبة فهمه وتفسیره لدی الکثیرین ، لیبقی فن تفسیره حکراً علی فئة محدودة من راسخی المعرفة بالشعر الشعبی ! المعروف أن الأبوذیة تختصر معانی القصیدة بین دفتیها و هی بمثابة قرص إلکترونی مدمج! -إن صح الوصف الغریب هذا- إذ تحتوی علی الکثیر من الحالات الشعوریة و الوجدانیة بأقل عبارات و أوجز ألفاظ ، وهی علی قصر أشطرها ،أصعب من کتابة القصیدة علی حد رأی البعض ، لأنها تحدد الشاعر و تضیق علیه الخناق وتسلبه قدرة المناورة والتحلیق فی فضاءات الخیال! و تلزمه بالتقید و الإلتزام بقوانین الجناس الصارمة!، حیث تتطلب الترکیز الدقیق و الغوص فی المخزون اللغوی و الإصطلاحی للشاعر، لتولد وتبصر النور ولتلقی القبول والإستحسان لدی المستمع المتذوق! ،کل هذا الجهد العقلی یبذله الشاعر لنظم أبوذیة تقلیدیة متعارفة ، فما بالک إذا شاء کتابة الأبوذیة المرکبة ؟! ألیست تتطلب و الحال هذه ،وقتاً و جهداً عقلیاً مضاعفاً ، بل وجزالة لفظیة کبیرة لربما تفوق مقدرة الکثیر من شعرائنا الشعبیین – بخاصة جیل الشباب- وتثقل علیهم وتحملهم ما لا یطیقون ؟

ألیست تعیق تحلیقهم بحریة مطلقة فی سماءات الخیال الرحبة ؟ ألیست الجناسات الثلاث المحدثات ، بمثابة قیود أخری تکبل بها قریحة الشاعر الشعبی؟

ألا یری الأستاذ أبوسمیر الناصری أن الأبوذیة الجدیدة هذه ، من شأنها أن تضع قرائح الشعراء الشعبیین علی المحک وتخلق فی أوساطهم مناخاً سباقیاً محتدماً للتنافس السلبی، یستعرض فیه الشعراء قدراتهم الإبداعیة بصعوبة بالغة ؟! یجد القارئ المتتبع أن الأستاذ الناصری قد أشار فعلاً إلی هذه الصعوبة فی النظم – نقلاً عن بعض الشعراء- فی مقاله التأسیسی المنشور فی موقع أدب الأهواز الموقر، مشیراً إلی استجابة الشاعر عبدالسادة العاشوری التمیمی من مدینة الفلاحیة لهذه المبادرة الإبداعیة وقیامه بنظم عدة أبیات أبوذیة علی المنوال الجدید ، لیکون أول من یکتب بهذا النمط المبتکر،و لیسجل هذا الإبتکار الفنی باسم الشعراء الأهوازیین و لیحول دون انتحاله من قبل الآخرین . لذلک أحییه وسائر شعراء الفلاحیة الزاخرة بالعطاءالشعری . بالطبع لا أقصد هنا بـ «الصعوبة البالغة» فی کتابة مثل هذه الأبوذیة الحدیثة الولادة، إستحالة تألیفها ، فالإبداع یولد من رحم المعاناة کما یقال ، أما المستحیل فلیس له محل من الإعراب فی قاموس المثقف المتطلع لصیاغة غد أفضل فی مختلف الحقول و الأصعدة.

یجدر هنا أن نشبع الموضوع بالبحث و التحلیل المستفیضین وبالنقد الهادف و الموضوعی والبناء، هناک ثلاث محطات یتحتم علی الأبوذیة المرکبة أن تجتازها بنجاح ، إذا ما أرادت أن تضمن لنفسها الحصول علی موطئ قدم بین سائر ضروب الشعر الشعبی :


الأولی/ استجابة الشعراء والإکثار من نظمها

الثانیة/ تفاعل الجمهور المتذوق معها و دعمه لها

الثالثة/ إمکانیة غنائها و تجاوب الفنانین معها .

هذه المحطات الثلاث تعتبر بمنزلة إختبارات علمیة و عملیة لتستطیع الأبوذیة المرکبة عبر اجتیازها لها ، أن تحیا حیاتها وتحظی بالقبول العام وأن تکون قادرة علی العطاء والإستمراریة، فالشعر المغنی أکثر رواجاً و تأثیراً من غیره. ما یخشی من هذه الأبوذیة المبتکرة، أن تتسبب بإثارة معرکة لی الأذرع فی أوساط الشعراء! بمعنی أن یقوم کل من یجد فی نفسه المقدرة اللازمة لنظم الأبوذیة المرکبة ، باستعراض شاعریته وقوة قریحته ، و الإقتخار علی الآخر الذی قد لا یجد هذه المقدرة فی إمکانیاته و قابلیاته الشعریة ، و قد لایقتنع بضرورة نظمها أساساً . هذا ما لا أرجو أن یحدث فی أوساطنا الشعریة. فماذا یا تری یمکن أن یکون موقف شعراء الفریق الثانی من هذه الأبوذیة؟ الذی یبدو لی أنهم سیتبنون موقف الرافض لهذه الفکرة ! و إذا ما ذهبنا إلی جمهور الشعر الشعبی ، فغالباً ما نجده – وهو یتناشد الأبوذیة- منشغلاً بشرح الجناسات الثلاث عبر تبادل الآراء و التدقیق فی المعنی و التنبؤ فیما یقصده و یرمی إلیه الشاعر، و فی حال إخفاقهم بالعثور علی المعنی الصحیح للجناسات التی یسمونها بـ «الأرواح»، یسلمون بالرأی القائل : المعنی فی قلب الشاعر ! إنهم یحارون فی کشف معانی جناسات البیت الواحد ، فما ظنک بثلاثة أخرى تضاف علی البیت، قد تکون أشد تعقیداً من نظیراتها الأصلیات؟! .

 

هذه نماذج منها / من نظم الشاعر عبدالسادة العاشوری :

شعبل نال عزة ورفض خله

شعبل أرض إسمه ومجد خله

شعبل گلب خل من خان خله

و عدم آمال عنده وخل بخیه .

حی جفنی یصاحب لیل بعداک

حی میلمنی هایم أظل بعداک

حی مارید اشوفن بعد بعداک

لأن منهم جفاک الصار بیه

مجدنه الرک عزم حیله ترحنه

مجدنه ابشیم حتی انزم ترحنه

مجدنه الجاب هیبة النه ترحنه

الوفگ سواها بینه وگطع فیه

إذن من الصعب أن نسلم باستحسان و استساغة الذوق الشعری العام و السائد لدی جمهور الشعر الشعبی بهذا التجدید الإبداعی الطارئ علی الأبوذیة! لقد نصح أبوسمیر الناصری - فی مقاله –فی معرض رده علی شریحة من الشعراء الذین عبروا له عن صعوبة نظم الأبوذیة المرکبة ، نصحهم بالإکثار من القراءة ، لغرض توسیع دائرة معرفتهم و معلوماتهم الأدبیة واللغویة لیتمکنوا من صیاغة هذه الأبوذیة ! ، فما الذی ینصح به الأستاذ، الجمهور الواسع للشعر الشعبی لیتأهل لفهمها و تفسیرها؟! وهل سیلقی هذا الإبتکار الأبوذی قبولاً کبیراً لدی المهتمین و المعنیین ، یساعد علی انتشاره فی أرجاء الأهواز؟.

الأبوذیة المرکبة من حیث التعقید اللفظی و المعنوی، تشبه إلی حدٍ ما ، أبیات الریحانی المتصفة بالتعقید البالغ ! إذ کانت تکتب بمنتهی اللبس و الغموض و التعمیة ! و قل من کان یتمکن من حلها و فک شیفرتها و إزالة اللبس عنها ! و هی کالألغاز و الحزورات و الکلام المعمی ! و قد یصح أن یقال أنها تلاعب بالألفاظ و مضیعة للوقت لیس إلا. . ! الشعر فی حقیقة أمره بوتقة تصهر فیها لواعج النفس و خلجات القلب وتبث فیها أسرار الهوی ، لتتجلی بأبهی الصور و أروع الدلالات الجمالیة ، فی قوالب لفظیة جمیلة و بدیعة تأخذ بالألباب و تدخل القلوب بلا استئذان ، الشعرهو ما أحدث هزة إنفعالیة و شعوریة فی وجدان المتلقی ، أما غیره فکلام منظوم ذو ألفاظ مرصوفة یفتقر للروح الشعریة والصور الجمالیة .

الواضح أن أبیات الریحانی لا تحدث ذلک الشعور الرومانتیکی لدی المستمعین ، بل تدعهم فی صفنة و حیرة! ، إذن یصبح خبیراً متضلعاً و أدیباً لوذعیاً – فی أدبیات السواد الغالب – من یتمکن من حل تلک الألغاز و المعمیات ! . الألفاظ کالإنسان تولد للحاجة- التی هی أم الإختراع بالطبع – ثم تکبر و تشیخ وتهرم وتموت ، فهناک ما یسمی بشوارد اللغة و حوشی الکلام و الشعر التراثی، و فی المقابل توجد لغة عصریة و شعر حدیث ، لا ینتمی مستخدموا هذه اللغة و متذوقوا هذا الشعر إلی الماضی السحیق ، إنهم أبناء هذا العصر و من حقهم أن یستمتعوا بأشعار شعراءهم و أن یتواصلوا بألفاظ و مواضعات تنتمی لروح العصر و تستجیب لمطالبهم ، هذا هو الأصل فی فقه اللغة و فلسفة الشعر . ختاماً أعود و أحیی أباسمیر الناصری الذی ما فتئ یواصل المشوار مجتهداً و مرشداً و معلماً للأجیال ، فکأنه شمعة تذوب لتضیئ الدرب للسالکین ، فلو لا حثه و تشجیعه ، لم یکن لهذا المقال النقدی المتواضع و غیره من الکتابات النظیرة أن تبصر النور و تدلوا بدلوها فی هذا المنتدی الأدبی الإلکترونی الأهوازی الرائع. لیسوا کثیرین بالتأکید أمثال أبی سمیر الناصری الذین نذروا أعمارهم لخدمة قضایا الشعب . أخیراً أرجو أن أکون قد وفقت فی طرح بعض الآراء النقدیة و التحلیلیة فی ثنایا المقال ، متمنیاً من الصمیم أن تکون تلک الآراء المطروحة ، أقرب للنقد و التمحیص العلمی ، منها إلی التشاؤم والتثبیط للهمم و العزائم

 

موافقین ۱ مخالفین ۰ ۰۰/۰۹/۲۰
عبدالحسین الباوی

التعليقات  (۰)

لا يوجد تعليق

إرسال وجة نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">
تجدید کد امنیتی